إيمان القدوسي
المرأة هي القلب النابض للمجتمع، وهي حاملة التراث وناقلة التقاليد، المرأة هي النقطة الحساسة والفارقة في أي مجتمع فإذا صلحت صلح كله والعكس أيضا صحيح، تتميز عن الرجل برهافة الحس والقابلية العالية للتأثر ولذلك تزداد قوة تأثير الإعلام عليها .
أولا: تأثير الإعلام علي المرأة :
يختلف تكوين المرأة عن الرجل ليس من الناحية البيولوجية فقط ؛ ولكن أيضا من الناحية النفسية والعاطفية، فهي مخلوق مختلف تماما في كل شيء يقول تعالي في الآية الكريمة : " وليس الذكر كالأنثي "(1) ، يتفوق لدي المرأة "العقل العاطفي علي العقل المنطقي"(2).
وقد وهبها المولي عز وجل قدرة علي التقمص الوجداني و الإحساس بالغير والتعاطف معه ومثل تلك النفسية الحساسة تكون أكثر قابلية لما تري وتشاهد ولذلك ليس غريبا أن تبكي المرأة تأثرا عندما تشاهد مواقف محزنة حتى لو كانت تعلم أنها مجرد تمثيل، وأيضا تمتلئ نفسها بمشاعر الحب والبهجة عندما تشاهد ما يمس وجدانها، وقد خلقها المولي عز وجل علي هذا النحو لتقوم بوظيفتها كزوجة وأم تنفعل وتتفاعل مع أسرتها وتشاركهم أفراحهم وتخفف متاعبهم وأحزانهم، ولكن هذه الطبيعة الخاصة لها وجه آخر، فمن الممكن أن تصبح الفتاة التي اختزنت الكثير من العواطف عبر مشاهدة الأفلام والاستماع للأغاني صيدا سهلا لمن يغرر بها ويستغل عاطفتها المشبوبة ولذلك فلابد من ترشيد العاطفة وتقوية الوازع الديني والعقل المنطقي لتصبح الوردة الجميلة محاطة بأشواكها التي تحميها.
وخلال هذه الورقة سنركز بشكل أساسي على المرأة الوحيدة وتشمل العانس، والمطلقة، والأرملة.
ثانيا: تأثير الإعلام علي الفتاة التي تأخرت في الزواج ( العانس):
كلمة العانس(3) كلمة قاسية، ولقب كريه لا تحب أي فتاة أن تحمله، وللأسف تزايدت نسبة الفتيات في عالمنا الإسلامي اللائي يحملنه حتى وصلت إلي أرقام مخيفة.
في المملكة العربية السعودية قدر عدد الفتيات اللائي تخطين سن الثلاثين ولم يتزوجن: بنحو واحد ونصف مليون فتاة وفي مصر(4) حدد الإحصاء الأخير عدد من تخطين الخامسة والثلاثين: بنحو أربعة ملايين من الفتيات، بينما يقفز الرقم في الجزائر إلي عدة ملايين وهو رقم مفزع بالفعل وقريبا منه في المغرب ( تحدد بعض الإحصائيات الرقم الخاص بالجزائر بنحو عشرة مليون فتاة والمغرب ثمانية مليون ولأنها أرقام ضخمة وغير معقولة لم أرد إثباتها هنا ) وفي بلاد الخليج العربي تتراوح نسبة العنوسة بين 15% إلي 20% من إجمالي الفتيات(5).
ومن أهم أسباب العنوسة: ارتفاع تكلفة الزواج والبطالة وتفشي الانحلال و تعنت أولياء أمور الفتيات ومن الأسباب الهامة التقصير في تناول هذا الموضوع عبر وسائل الإعلام التي من الممكن أن تقوم فيه بدور توجيهي فعال.
بل إن الإعلام حاليا يسهم في تفاقم هذه الظاهرة بعدة طرق منها: رسم صورة خيالية خارقة لفتاة وفتي الأحلام من الصعب تواجدها في الواقع وهذه الصورة تترسخ في نفس الشباب فتزهدهم في فرص الزواج المتاحة أمامهم، والترويج للعلاقات الحرة غير الشرعية وعدم الاهتمام بطرح مشكلة العنوسة ومعالجة أسبابها، وتضخيم أهمية دراسة و عمل المرأة والتفرغ لها حتى لو حال بينها وبين الزواج أو أخرها عنه.
الدور المأمول للإعلام في حل مشكلة العنوسة:
1ـ توعية الأهل وأولياء أمور الفتيات بتيسير زواج البنات وعدم المغالاة في الطلبات المادية من مهر وشبكة وغيرها، ونشر ثقافة التيسير في المجتمع.
2ـ تحجيم ظاهرة بطالة الشباب قدر الإمكان؛ بمساعدتهم علي توفير فرص العمل والدعوة لحلول مبتكرة مثل المشروعات الصغيرة وغيرها وتوضيحها إعلاميا .
3ـ مقاومة المشروعات التغريبية التي تعمل من أجل رفع سن الزواج وتغيير أنظمة الأحوال الشخصية، وهدم مؤسسة الأسرة.
4ـ مساهمة الإعلام في توعية الشباب بحلول واقعية لمشكلاتهم، حتى لا يبالغوا في أحلامهم لأن تقاعس كل شاب عن الزواج معناه زيادة عدد الفتيات غير المتزوجات وتفاقم أزمة الزواج في المجتمع.
5ـ تشجيع الزواج المبكر وابتكار حلول جديدة لتيسير الزواج(6).
إن الحل العملي لمشكلة العنوسة هو: في إتباع الهدي النبوي كما جاء في الحديث الشريف مثل قوله صلي الله عليه وسلم (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) حديث صحيح رواه الترمذي وغيره، وفي حديث آخر (أيسرهن مؤنة أكثرهن بركة) حديث صحيح رواه أحمد وغيره.
ثالثا: أهمية وأثر الإعلام التربوي للمطلقات:
ينظر المجتمع إلي المطلقة نظرة شك وإدانة، ولكن أزمتها الحقيقة هي أكبر من ذلك فهي تعاني مرارة الوحدة والفشل وتواجه مشكلة يومية حقيقية في تدبير أمورها المعيشية خاصة في حالة وجود أطفال وأثبتت الدراسات أن المعاناة الاقتصادية هي أقسي ما يواجه المطلقة وخاصة إذا امتنع الزوج عن دفع ما يكفي نفقاتها وهو ما يحدث كثيرا(7).
وتشير الأرقام والإحصائيات إلي ارتفاع مؤسف في نسبة حدوث الطلاق ففي الكويت تصل النسبة إلي 35% وفي البحرين وقطر قريبة من ذلك أما في السعودية (8) فتصل إلي 20% وترتفع في الإمارات فتصل إلي 46% من حالات الزواج(9)، ووصلت نسبة الطلاق في مصر إلي 40% حسب ما جاء في التعداد الأخير الذي قام به الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
وإذا ناقشنا هذا التصاعد في حالات الطلاق فسنجد أنه يرجع بدرجة كبيرة إلي تناقص مهارات الذكاء العاطفي مما يؤدي لسرعة التصادم بين الزوجين وتراجع الضغوط الاجتماعية المتمثلة في استنكار الطلاق وعدم تقبله وفي اعتماد الزوجات الاقتصادي علي أزواجهن بعد أن صارت المرأة تعمل وتتلقي راتبا، وقد كان هذا العامل بالذات سببا في استمرار الكثير من الزيجات.
والطلاق هو شر لابد منه في بعض الأحيان، ويترتب عليه الكثير من الأضرار الاجتماعية والنفسية علي كل أفراد الأسرة وخاصة الأطفال.
وتعاني المرأة من كل هذه الآثار مجتمعة فهي لا تتحمل مسئولية نفسها فقط ولكن أيضا مسئولية أولادها، والإعلام غير الهادف من الممكن أن يسهم في تفاقم المشكلة إما بالتمهيد لحدوثها بشكل أو آخر أو المساهمة في تشويه صورة المطلقة وتنفير المجتمع منها .
دور الإعلام التربوي في حل مشكلة المطلقات:
1ـ المساهمة في إعداد الفتيات للحياة الزوجية فمن الملاحظ أن الأجيال الجديدة بسبب انشغالها بالدراسة وزيادة نسبة الرفاهية لم تعد الفتاة مهيأة لتحمل مسئولية الحياة الزوجية حتى أن أغلب حالات الطلاق تتم في السنوات الثلاث الأولي للزواج .
2ـ التوعية بحسن اختيار الزوج وعدم التركيز علي المظاهر الشكلية والمادية وحدها ولكن الاهتمام بدينه وخلقه كما جاء في الحديث الشريف .
3ـ التوعية بكيفية التعامل مع الخلافات الزوجية وعدم الوصول بها لحافة الطلاق، وعلي سبيل المثال عندما ارتفعت في بريطانيا نسبة الطلاق منذ حوالي أربع سنوات ووصلت 40% قامت الدنيا ولم تقعد وقال "توني بلير"، رئيس الوزراء في ذلك الوقت، إلي أين يتجه المجتمع إذا كان هذا هو حال الأسرة ؟ وعلي الفور قام علماء من جامعة كامبردج بوضع مناهج بعنوان( كيف تكونين زوجة وأما ) و( كيف تكون زوجا و أبا ) وتم تدريسها في المرحلة الثانوية.
4ـ إذا حدث الطلاق بالفعل فمن واجب الإعلام تحسين صورة المطلقة ونشر الوعي بتقبلها وإعادة دمجها في المجتمع وتشجيع الاقتران بها كزوجة وتشير الأبحاث أن الزواج الثاني للمطلقة يكون ناجحا لاستفادتها من خبرتها الأولي وإصرارها علي النجاح .
5ـ مساعدة المطلقة في تدبير أمورها المعيشية بإرشادها لكيفية الحصول علي حقوقها أو الحصول علي فرصة عمل.،وقد أعطي الإسلام للمطلقة حقوقا أهمها وجوب نفقة العدة علي ذمة الزوج بحسب قدرته المالية، ووجوب أجر الرضاع علي ذمة الزوج إذا كان هناك رضيع لقوله تعالي (فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن ) ولا يجوز نزع الطفل عن أمه دون رضاها، ومن حقوقها أيضا أن يسرحها بإحسان لقوله تعالي ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أوتسريح بإحسان ) الآية 229 من سورة البقرة وهذا يعني حصول المطلقة علي مؤخر صداقها وحقوقها المالية كاملة ومن حقها أيضا أن لا يخرجها من بيتها لقوله تعالي ( لا تخرجوهن من بيوتهن ) سورة الطلاق الآية 1
رابعا: أثر الإعلام التربوي بالنسبة للأرملة(10):
ينظر المجتمع للأرملة نظرة تعاطف وتراحم باعتبارها فقدت عائلها وسندها في الحياة وخاصة إذا تفرغت لتربية أطفالها فيزداد احترام الجميع لكفاحها وصبرها، ولكن هذه النظرة تتغير إذا فكرت في الزواج إذ يعتبرها البعض جاحدة وغير وفية لذكري زوجها وغير حريصة علي مصلحة أبنائها، وهي نظرة ظالمة تحرمها من حقها في الحياة الطبيعية وتفرض عليها القهر والحرمان .
إن الزواج حق أساسي للأرملة أجازه الشرع بعد انتهاء العدة(11) خاصة إذا كانت في مقتبل العمر ولديها أطفال في حاجة لرعاية الأب ولها أن تتزوج لتعف نفسها وتكمل حياتها في ظل أسرة طبيعية وإذا نجح زوجها في احتواء أبناءها وكان لهم أبا بديلا فإن ذلك يصبح في مصلحة الأسرة كلها والمجتمع أيضا .
وتواجه الأرملة مشاكل عدة أهمها :
مشاكل مع أسرة الزوج بشأن حضانة الأولاد، ومع أسرتها لتضييقهم الخناق عليها خوفا علي سمعتها ومع المجتمع لحساسية وضعها كامرأة وحيدة .
أثر الإعلام التربوي في حل مشكلات الأرملة:
1ـ نشر الوعي بالحكم الصحيح لزواج الأرملة، فالإسلام يراعي الفطرة البشرية وقد أباح الزواج للأرملة بعد انتهاء عدتها وقد تزوج الرسول صلي الله عليه وسلم من أرامل منهن أم سلمة رضي الله عنها، التي عرض عليها الخطبة فقالت ليس من أهلي أحد حاضر فقال لها ليس من أهلك أحد حاضر أو غائب ينكر هذا الزواج فقالت لابنها قم فزوج رسول الله .
2ـ التوصية بالأيتام خيرا وخاصة لمن يرعاهم ويقوم علي أمرهم فإن زوج الأم الذي يتقي الله في صغار يتامى في حجره له أفضل الجزاء والثواب عند الله وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتان وأشار بإصبعيه )
3ـ إذا كانت ظروف الأرملة لا تسمح لها بالزواج وإذا فضلت هي التفرغ لتربية أولادها يجب علي المجتمع كله بما في ذلك وسائل الإعلام إعانتها علي أداء رسالتها السامية.
المرأة الوحيدة سواء كانت بكرا لم تنل فرصتها في الزواج أو مطلقة أو أرملة ذات وضع حساس وتعاني صورا شتي من المعاناة وتحتاج للدعم المعنوي والعمل علي تخفيف معاناتها ويمكن للإعلام التربوي المساهمة في ذلك بنشر الوعي بأبعاد مشكلتها وتصحيح الصورة الذهنية عنها والترغيب في الاقتران بها وتصحيح المفاهيم التي تؤدي لتفاقم مشكلتها سواء من ناحية العادات والتقاليد أو النظرة السائدة في المجتمع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
1- آل عمران الآية 36
2- هناك طريقتان مختلفتان اختلافا جوهريا للمعرفة، تتفاعلان لبناء حياتنا العقلية الأولي طريقة العقل المنطقي وهي طريقة فهم ما ندركه تمام الإدراك والواضح وضوحا كاملا في وعينا وما يحتاج منا إلي التفكير فيه بعمق وتأمله، وهناك نظام آخر للمعرفة قوي ومندفع وأحيانا غير منطقي هذا النظام هو العقل العاطفي حيث تسيطر العاطفة علي منطق العقل ( انظر الذكاء العاطفي ـ دانييل جولمان ـ ترجمة ليلي الجبالي ـ سلسلة عالم المعرفة ـ262ـ الكويت )
3- العانس هي الفتاة البكر التي تأخرت في الزواج، ويختلف السن الذي يدرجها في هذه الفئة من بلد لآخر ويتراوح بين الثلاثين والخامسة والثلاثين .
4- قامت فتاة مصرية بتدشين موقعا علي الإنترنت للتعبير عن فئة الفتيات اللاتي لم يتزوجن ومشاكلهن الخاصة وهمومهن باسم ( عايزة أتجوز).
5- تختلف الأسباب من بلد لآخر فبينما يمثل العجز عن القيام بتكلفة الزواج السبب الأول في مصر والجزائر فإن تشدد أولياء أمور الفتيات والاتجاه للزواج من أجنبيات يظهر كسبب رئيسي في دول الخليج .
6- من أمثلة الحلول المبتكرة ما دعا إليه موقع مكافحة العري والإباحية (حماسنا ) في حملة علي الإنترنت شعارها ( جوزونا ) وناشدوا رجال الأعمال وأهل البر والتقوي وأصحاب مصانع الأثاث بمساعدة الشباب في إعداد بيت الزوجية .، علي أساس أن هذا واجبهم وواجب المجتمع تجاه هؤلاء الشباب .
7- في دراسة بعنوان ( التكيف الاقتصادي للمرأة السعودية المطلقة ) قدمتها د . آمال عبدالله الفريح، كشفت نتائج هذه الدراسة أن أعلي النسب من حيث سوء التكيف قد تركزت في سوء التكيف الاقتصادي للمرأة المطلقة، وأهم المشكلات الاقتصادية التي تواجهها هي مشكلة الإنفاق علي أبنلئها ورفض الأب الإنفاق عليهم وعدم تمكنها من الحصول علي عمل لسد احتياجاتها المادية .وقدمت هذه الدراسة في ندوة ( ظاهرة الطلاق في المملكة العربية السعودية عام 2006 عقدت في رحاب جامعة الملك سعود ـ مركز بحوث الدراسات الجامعية للبنات .
8- دراسة أعدتها وزارة التخطيط السعودية أثبتت أن نسبة الطلاق وصلت 20% من إجمالي عدد المتزوجين .
9- في دراسة أعدها مركز سلمان الاجتماعي بالرياض عن حالات الطلاق والعنوسة في دول الخليج .
10- الأرملة من مات زوجها وترملت المرأة إذا فقدت زوجها.
11- فترة العدة شرعا هي أربعة أشهر وعشرة أيام أو وضع الحمل لو كانت حاملا.
الثلاثاء مارس 12, 2019 11:00 am من طرف مراد
» مواد بناء وتشطيب من مصانع الصين لبيتك 008615011961687
الإثنين أغسطس 22, 2016 2:27 pm من طرف دليل الصين
» مواد بناء وتشطيب من مصانع الصين لبيتك 008615011961687
الإثنين أغسطس 22, 2016 2:26 pm من طرف دليل الصين
» أنواع الصحف الحائطية
السبت ديسمبر 12, 2015 9:47 pm من طرف على فتحى
» كيفية عمل صحيفة الحائط
السبت ديسمبر 12, 2015 9:44 pm من طرف على فتحى
» أنواع الصحف المدرسية
السبت ديسمبر 12, 2015 9:41 pm من طرف على فتحى
» كيفية إعداد صحيفة حائط متميزة
السبت ديسمبر 12, 2015 9:29 pm من طرف على فتحى
» نموذج اختبار كادر المعلم ( اعلام تربوى )
السبت ديسمبر 12, 2015 9:21 pm من طرف على فتحى
» الإعلام التربوي
السبت ديسمبر 12, 2015 9:18 pm من طرف على فتحى